Close Menu
    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام
    الثلاثاء, ديسمبر 30, 2025
    • Contact us
    • Sitemap
    • من نحن / Who we are
    • Cookie Policy (EU)
    • سياسة الاستخدام والخصوصية
    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام RSS
    صحيفة وطن – الأرشيفصحيفة وطن – الأرشيف
    • الرئيسية
    • تقارير
    • الهدهد
    • حياتنا
    • اقتصاد
    • رياضة
    • فيديو
    • Contact us
    • فريق وكتاب وطن
    صحيفة وطن – الأرشيفصحيفة وطن – الأرشيف
    أنت الآن تتصفح:الرئيسية » تحرر الكلام » الدولة المدنية الرشيدة: تحليل لخصائص المجتمع المدني ودوره في تعزيز العلاقات الإنسانية الطبيعية
    تحرر الكلام

    الدولة المدنية الرشيدة: تحليل لخصائص المجتمع المدني ودوره في تعزيز العلاقات الإنسانية الطبيعية

    د. بسيوني الخولي21 يناير، 2016آخر تحديث:22 يوليو، 202314 دقائق
    فيسبوك تويتر بينتيريست لينكدإن Tumblr البريد الإلكتروني
    شاركها
    فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني

    رابعاً : خصائص المجتمع المدني :

    هل فكرة ” المجتمع المدني ” هذه تمثل تطوراً في المجتمع الإنساني ، أم أنها تمثل واقعاً في ذلك المجتمع ، يضيق ويتسع ، وينشط ويخمل من مجتمع إلى آخر ؟ إن كافة المجتمعات الإنسانية على مدى التاريخ ، وحتى القائمة الآن تحوي نوعية العلاقات التي يُطلق عليها ” المجتمع المدني ” ، والتي سنطلق عليها من الآن ( العلاقات الإنسانية الطبيعية ) ، وهذه العلاقات في كل مجتمع لها طبيعتها وكنهها وخصوصيتها ، التي ترتبط بما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات دينية وشرعية ، وترتبط كذلك بطبيعة السلطة في المجتمع ، وطبيعة الوصول إليها وتداولها ، وطبيعة القوى الاجتماعية والسياسية الموجودة في المجتمع .

    في إطار هذه العلاقات التي تتم بين أفراد المجتمع وقواه الاجتماعية ، تنشأ مؤسسات إنسانية طبيعية ، وهي مؤسسات إنسانية لأنها تعتمد على العلاقات الإنسانية الصرفة ، التي تتجرد من أية انتماءات قومية أو عرقية أو دينية أو طائفية أو سياسية أو اقتصادية ، وهي مؤسسات طبيعية لأنها مجردة من أية ارتباطات ذات طبيعة سلطوية ، وتتم بشكل تلقائي غير مفروض ، وإذا كانت هذه هي طبيعة هذه المؤسسات ، فإن لها كذلك خصائص وقواسم معينة ، تتمثل في الآتي :

    أ ـ المؤسسات الإنسانية الطبيعية ذات طبيعة اختيارية طوعية ، ينضوي الإنسان في إطارها ، وينخرط في نشاطها برغبته ودون جبر أو قسر ، بل تحدوه الرغبة في تحقيق أهداف يحددها لنفسه ، ويمكن أن تتحقق من خلال هذه المؤسسة .

    ب ـ المؤسسات الإنسانية الطبيعية تسعى نحو تحقيق أهداف أعضائها بشكل محدد والدفاع عن أفراد المجتمع ضد تجاوزات سلطة الدولة وجموحها ، فأهدافها ذات طبيعة إنسانية طبيعية ، وتحمل نفس خصائص المؤسسات ذاتها .

    ت ـ المؤسسات الإنسانية الطبيعية تحتاج إلى إطار قانوني ونظام أساسي ، يحدد طريقة تشكيلها ، وهيكلها التنظيمي وشروط العضوية فيها ، وطريقة ممارساتها لنشاطها ، وهي لذلك لابد أن تُعتمد لدى الدولة ، وتعترف بها ، ويتولى أمرها والإشراف عليها إحدى الوزارات ذات العلاقة ، ومن ثم فهذه المؤسسات لابد من إشهارها رسمياً ، وهذا الإشهار بمثابة الاعتراف الرسمي بها ، حتى يتسنى لها ممارسة نشاطها ، وتعتبر هذه العلاقة بين المؤسسات الإنسانية الطبيعية والسلطة الرسمية ذات دلالة ، فهي مؤشر على أن السلطة الرسمية في نهاية المطاف تتحكم في وجود ونشاط هذه المؤسسات ، حيث أن السلطة الرسمية التي تملك الموافقة على هذه المؤسسات والاعتراف بها ، تملك كذلك سحب هذه الموافقة وإلغاء الاعتراف.

    ث ـ إن وجود المؤسسات الإنسانية الطبيعية لا يعني بحال أنها في صراع أو صدام حتمي مع السلطة أو الدولة ، ولكن قد يحدث ذلك الصراع والصدام إذا استجد تعارض بين أهداف الدولة وسلوكات السلطة ، وبين مصالح أعضاء المؤسسات الإنسانية الطبيعية ، وقد يؤشر ذلك الصراع والصدام إلى ولاية وهيمنة الدولة على هذه المؤسسات ، ومراقبتها الدائمة لها ، وضبطها لمساراتها وحركاتها ، وقد يؤشر إلى أن المؤسسات الإنسانية الطبيعية تتصدى لتجاوزات السلطة .

    ج ـ إن وجود المؤسسات الإنسانية الطبيعية ونشاطها تعبير عن أن الدولة لا يمكنها أن تقوم بمهمة هذه المؤسسات ، التي تتمثل في جملة التفاعلات داخل المجتمع ، التي لا تحتاج في دينامياتها وحركاتها إلى قوة السلطة ، بل تتم بشكل إنساني طبيعي ، هو في ذات الوقت وتيرة التطور الطبيعي للمجتمع البشري .

    ح ـ المؤسسات الإنسانية الطبيعية تفيد المجتمع ، وكذلك السلطة في جوانب عديدة ، فهي تفيد المجتمع في تحريك التفاعلات بداخله ، وتحقيق التنمية الاجتماعية ، وتفيد السلطة في امتصاص واحتواء الكثير من المطالب والرغبات ، التي تحققها تلك المؤسسات ، وتعفي الدولة من أعباء تحقيقها .

    خامساً : مبرات ودواعي إثارة الغرب لفكرة الدولة المدنية والمجتمع المدني :

    لماذا أثار الغرب ومفكروه فكرة المؤسسات الإنسانية الطبيعية في هذا الوقت من تاريخ العالم الذي شهد تحولات محورية ! إن ثمة نقلة فكرية أيديولوجية تستبدل الثقافة والحضارة بالأيديولوجيا ، وقد استتبع ذلك تصدير الأفكار والقيم والمبادئ الثقافية والحضارية إلى كافة أنحاء العالم ، وفي إطار هذه التحولات جاءت فكرة المؤسسات الإنسانية الطبيعية ، وتحتاج الإجابة على هذا التساؤل إلى التفصيل التالي:

    أ ـ إن ثمة حركة فكرية جادة في المجتمعات الغربية ، تستهدف نشر القيم الثقافية الغربية ، ومن تلك القيم ما عرف بثقافة ” المجتمع المدني ” أو ” الثقافة المدنية ” وهي الثقافة الخاصة بالعلاقات والتفاعلات والارتباطات التحتية بين عموم المجتمع بعيداً عن السلطة وامتداداتها ، ويعتقد مفكرو الغرب أن هذه الثقافة راسخة في عقول أفراد المجتمعات الغربية ، وقد تحولت إلى ممارسات نظمية وتنظيمية وسلوكية ، وعليهم أن يصدروا تلك الثقافة بتجاربها وممارساتها إلى كافة أرجاء العالم .

    ويرتبط ما تقدم بالعلاقة التي ابتكرها علماء الغرب ومفكروه بين ما يعرف ” بثقافة المجتمع المدني ” والممارسات الديمقراطية ، وخلصوا من تلك العلاقة إلى أن تشجيع تلك الثقافة ونشرها وترسيخها في أية مجتمعات ، سوف يقود إلى ترسيخ مبدأ الديمقراطية في تلك المجتمعات ، وإن كان بعضهم قد تحدث في هذا السياق عن الاتجاه العكسي لتلك العلاقة ، فبدأ بالديمقراطية على أساس أنها سوف تشجع تلقائياً نشر ” ثقافة المجتمع المدني ” المزعومة ، ومن ثم سعى هؤلاء المفكرون وساعدتهم مجتمعاتهم على تصدير تلك الثقافة ، ومن ثم كان الحديث عن تلك الثقافة في هذه الحقبة التاريخية بالذات ، وما صاحبها من تحولات أيديولوجية وثقافية وحضارية .

    وحسب رؤية علماء الغرب ومجتمعاته ” فثقافة المجتمع المدني ” سوف تتصدى للكثير من الظواهر والسلوكات في مجتمعات العالم المختلفة ، مثل العنف والإرهاب والتخلف والجهل والقمع والتسلط إلى آخره ، وسوف تُستبدل المبادئ المصاحبة لمبدأ الديمقراطية بتلك الظواهر المعطوبة ، ولا تزال رؤية الغرب ومفكريه ومجتمعاته على محك التجربة .

    وبالرغم من بروز الصبغة التوجيهية الريادية على الفكرة الخاصة بالمؤسسات الإنسانية الطبيعية ، إلا أنها يمكن أن تصنف في عداد نوبات الغزو والاختراق الثقافي ، التي ازدهرت منذ أوائل تسعينيات القرن المنصرم ، والتي تجلت آثارها السريعة في زخات من الدراسات والبحوث والكتابات التي تقاطرت حول ما عرف ” بمؤسسات المجتمع المدني ” وكان العالم الإسلامي من مناطق العالم التي اهتمت بهذه الفكرة ، وبصفة خاصة أن ذلك العالم معد ومهيأ لأن يستقبل مثل تلك الأفكار ليملأ بها الفراغ الفكري والعقلي الشاغر منذ فترة طويلة ، وتجتهد مؤسساته البحثية والأكاديمية من أجل البحث عن ” مؤسسات المجتمع المدني ” وعن دورها في المجتمع ، مقتفية أثر الدراسات والأفكار التي انبعثت من الغرب .

    لقد التزمت السلطة ومؤسساتها في العالم الإسلامي الصمت والحذر في كثير من الأحيان إزاء فكرة ” مؤسسات المجتمع المدني ” وسبب الصمت هو أن في هذه الفكرة ما يمكن للسلطة ومؤسساتها أن تستفيد منه ، مثل المساهمة في التنمية ، وتعليم الناس المشاركة المنظمة والفعالة ، وامتصاص حماسهم في نشاط مجد وفعال ، كذلك من أسباب صمت السلطة ومؤسساتها إزاء ما يعرف ” بمؤسسات المجتمع المدني ” أن النتائج الفعلية المؤكدة للدراسات التي اهتمت بهذه الفكرة لم تبد بعد ، ومن ثم لم يُستدل على جدوى تلك الدراسات ، بل وما إذا كان ثمة ما يمكن أن يسمى ” بمؤسسات المجتمع المدني ” في تلك المجتمعات .

    ب ـ تقسيم المجتمع إلى فاعليْن : إن إبراز دور وفعالية ما يمكن أن يسمى “بمؤسسات المجتمع المدني” يقسم المجتمع إلى ثنائية تضع السلطة الرسمية والدولة ومؤسساتها في جانب ” ومؤسسات المجتمع المدني ” المزعومة في الجانب الآخر ، ومن ثم يصبح المجتمع مجالاً لحركة فاعلين : وهنا بدأت الدولة تخشى على وضعها ومكانتها ، إلا أن الدولة بسبب بروز فكرة ” مؤسسات المجتمع المدني ” أمست في مواجهة وضعين متناقضين : الوضع الأول أن الفاعل الآخر بات يواجه دور الدولة في السلطة والسيطرة ، ويقلص من ذلك الدور ، ويُظهر الدولة في مظهر الضعيف الذي يخشى تهديد فاعل آخر ، الوضع الثاني أن الفاعل الآخر وهو ” مؤسسات المجتمع المدني ” يقلص مرة أخرى من دور الدولة في خدمة المجتمع ، وفي التنمية بشكل عام ، ومن ثم تُعفى الدولة من كثير من المهام التي تريحها ، وتجعلها في حل من الالتزامات التي تؤرقها وتجعلها محط أنظار المعارضين في الداخل والخارج .

    ولكن لماذا يستهدف الغرب دور الدولة في المجتمعات غير الغربية ، بالرغم من أن الدولة في الغرب لا تزال تتمتع بدور مهم وحيوي ، وتبدو أهميته وحيويته في أوقات الأزمات ! إلا أن الدولة لا تزال هي الفاعل الوحيد في المجتمع الذي يمكن أن يتصدى للتدخلات الخارجية ، أما ” مؤسسات المجتمع المدني ” فربما تكون وسيلة وأداة مستحدثة ومبتكرة للتدخل الأجنبي نفسه ، أو على الأقل لا تبدي اهتماماً وجدية في مقاومة النفوذ الأجنبي والتدخل الخارجي في صوره المستحدثة .

    إن تهميش دور الدولة في المجتمعات غير الغربية يضع تلك المجتمعات في مواجهة صريحة ومباشرة مع الآخر ، ويجرد تلك المجتمعات من أية حماية ، ويتركها مكشوفة في مواجهة ذلك الآخر ، بما لديه من وسائل وآليات يصعب على تلك المجتمعات بوضعيتها المتخلفة مواجهتها والتصدي لها .

    وتهميش دور الدولة وإزاحتها من المواجهة مع الآخر تلتقي مع التحولات والتطورات الفكرية التي شهدها العالم منذ بداية تسعينيات القرن المنصرم ، وكانت الذريعة هي ” مؤسسات المجتمع المدني ” فهي التي حولت الأفكار إلى واقع ، وجعلت ثقافة ما يسمى ” بالعولمة ” آلية تزيح حدود الدولة بمعناها ومفهومها التقليدي ، وتتركها حماً مستباحاً أمام تدخلات الآخر واختراقاته الثقافية والفكرية وحتى السياسية .

    ولكن هل تنبه أبناء المجتمعات غير الغربية إلى استخدام الغرب لذريعة ” مؤسسات المجتمع المدني ” بالشكل الذي قدمنا له ! كثير من أبناء المجتمعات غير الغربية لا يزالون في حالة مراجعة وإعادة نظر لهذه الفكرة ولآثارها ، ومن أبناء تلك المجتمعات من لم يقتنع بالفكرة من حيث المبدأ .

    ت ـ الصراع بين مؤسسات المجتمع المدني والدولة : إن الأمر لم يتوقف عند التذرع ” بمؤسسات المجتمع المدني ” لتهميش دور الدولة في المجتمعات غير الغربية ، بل تجاوزه إلي خلق حالة من الصراع بين تلك المؤسسات وبين الدولة ، تحت دعوى أن تلك المؤسسات تتولي تحقيق مصالح أعضائها والدفاع عنهم في مواجهة سلطة الدولة ، وتجليات تلك السلطة ، وامتداداتها في المجالات المختلفة .

    وقيام ذلك الصراع يعني أن السلطة في دول العالم غير الغربي قد اعتادت الجور علي حريات وحقوق المواطنين ، وأن ذلك الجور يحتاج إلي تصدي من أبناء المجتمع يتحقق في دور “مؤسسات المجتمع المدني” ، وهذا يعني أن ” مؤسسات المجتمع المدني ” في قيامها بهذا الدور تختلف عن دور المعارضة السياسية الرسمية التي تصارع من أجل الوصول إلي السلطة ، ولكن يمكن تصور نوع من التنسيق والتكتل وتوزيع الأدوار بين المعارضة السياسية الرسمية وبين ” مؤسسات المجتمع المدني ” ، لدرجة أن البعض يعتبر تلك المؤسسات نوعاً من المعارضة ، ولكنها اجتماعية وغير رسمية ، ويمكن أن تؤدي دوراً مسانداً للمعارضة السياسية .

    وإذا كان الأمر كذلك فلنا أن نتصور أن “مؤسسات المجتمع المدني” وهي في موضع المعارضة والتصدي لممارسات السلطة ، يمكن أن تمثل موطئ قدم لتدخلات أجنبية ، ما يجعل السلطة دائمة الشك والتوجس في علاقات تلك المؤسسات وبالذات التي تتجاوز حدود الدولة .

    والصراع بين ” مؤسسات المجتمع المدني ” وبين السلطة يأخذ أشكالاً عديدة ، ويتطور في أطوار شتى ، فالصراع قد يبدأ باختلاف وجهات النظر ، وينتهي بالصدام الذي يُلجئ السلطة في كثير من الأحيان إلي أن تسحب الدولة اعترافها بتلك المؤسسات ، وتقوم بإلغائها .

    إن من شأن ما تقدم أن يوصلنا إلي نتيجة مؤداها أن شكل المواجهة الصراعية بين ” مؤسسات المجتمع المدني ” والسلطة الرسمية يضع الأخيرة في المركز الأعلى والأقوى والمؤسسات في الوضع الأضعف ، حيث لا تتورع السلطة من محو المؤسسات المدنية من الوجود ، وتصبح السلطة هي الأساس في المجتمع ، وتصبح ” مؤسسات المجتمع المدني ” فكرة لا يمكن أن تتحول إلي واقع إلا إذا قبلت بها السلطة ، وظلت دائماً تحت رحمتها ، وفي حوزتها ، وهذا واقع لا يمكن إنكاره .

    والحقيقة أن العلاقة بين ” مؤسسات المجتمع المدني ” وبين سلطة الدولة ، تتراوح دوماً بين التعاون وبين الصراع ، مروراً بوضعية الاستقلالية بين الطرفين ، والمعيار الأساسي لسيادة أي حالة من الحالات الثلاث ، هو القواعد المتفق عليها بين السلطة و” مؤسسات المجتمع المدني ” ، وهل هذه العلاقة التي تربط بين الطرفين ذات صبغة دستورية تدعمها ممارسات وقيم ومبادئ أساسها مبدأ الديمقراطية ، أم أنها علاقة سلطوية ، تصيغها السلطة ، وتكون هي معيارها الوحيد ، وتصبح الخصم والحكم في وقت واحد ، ومن ثم يبدو وجود دستور يحمي تلك المؤسسات من جور السلطة مسألة ذات أهمية ، بل ويحافظ على ديمقراطية مؤسسات الدولة المدنية ذاتها ، وهذا ما سوف نعكف على تحليله بعد قليل .

    ث ـ مؤسسات المجتمع المدني والتدخل الخارجي : ولعل آخر المسائل التي يمكن أن تثير جدلاً في هذا السياق ، وترتبط بالبعد العالمي لما يعرف ” بمؤسسات المجتمع المدني ” هي المسألة الخاصة بما يمكن أن يترتب علي تلك المؤسسات من تدخلات في شؤون الدول التي تنشط فيها وتباشر دوراً في الحياة الاجتماعية والسياسية ، وهذا يرتبط بما اصُطلح علي تسميته ” بثقافة العولمة ” تلك الثقافة التي تُشيع بين الناس في كافة المجتمعات المفاهيم والمدركات المشتركة ، والتي تنتقل من مجتمع إلي آخر دون اعتبار للحدود ، ودون اهتمام بخصوصية الثقافات وتميز الهويات .

    ويمثل تمويل هذه المؤسسات والإنفاق علي دورها ونشاطها أحد أهم مداخل الوجود الأجنبي ، حيث تسعى بعض الدول إلي تمويل هذه المؤسسات في دول أخرى ، كما أن بعض المؤسسات تطلب التمويل من دول بذاتها ، وتتحسس الدول الحاضنة لتلك المؤسسات من هذا التمويل ، وتعتبره نوعاً من التدخل ، وكذلك تتوجس من نشاط تلك المؤسسات ، وتعتبرها مجلبة لذلك التدخل .

    كذلك تميل بعض مؤسسات ما يسمي ” بالمجتمع المدني ” إلي إقامة تكتلات تعبر حدود الدول ، وتتجاوز خصوصياتها كمؤسسات حقوق الإنسان ، ومؤسسات النهوض بالبيئة إلي آخره ، وقد تعمد هذه التكتلات العابرة للحدود القومية إلي ممارسة أنشطة ، والدعوة إلي أفكار قد لا تتفق مع سياسات الدول التي تمارس نشاطها علي أراضيها ، فيتطور الأمر إلي مواجهة بين الطرفين ، وتتعامل الدول مع هذه المواجهات علي أنها تدخل في شؤونها الداخلية ، ناتج عن نشاط تلك المؤسسات .

    وثمة حالات تتبني فيها الدول دعم وتفعيل وإقامة ” مؤسسات المجتمع المدني ” ما يجعل الأخيرة أداة مباشرة في يد تلك الدول ، تحقق أهدافها السياسية داخل الدول المضيفة ، وتمثل هذه المؤسسات تحديات مباشرة وصريحة لسلطات الدول التي تعمل فوق أراضيها ، وعليه تحدث المصادمات بين الدول والمؤسسات ، وعادة ما تنتهي تلك المصادمات بتعطيل تلك المؤسسات وتجميد نشاطها .

    ودراسة رؤية وموقف المجتمعات الإسلامية إزاء تلك المؤسسات تحتاج إلي وقفة تأمل ، فالمجتمع المسلم له خصوصياته التي تميزه عن غيره من المجتمعات ، فهو مجتمع تلعب فيه الشعيرة والشريعة دوراً يمثل صلب خصوصياته وقوام تميزه ، فالشعيرة في المجتمع المسلم لها جوهر وهو العلاقة بين العبد وخالقه ، ثم لها أثرها وهو امتداد تلك العلاقة إلي تفاعلات العبد مع عناصر الوجود ، ثم تأتي الشريعة لتنظيم كافة شؤون الحياة من خلال منهج دقيق تلعب فيه الشعيرة كذلك دوراً محورياً ، وهكذا يبدو المجتمع المسلم في علاقاته الإنسانية الطبيعية مجتمعاً متميزاً ومتفرداً ، وهذا هو الذي يطلق عليه ” المجتمع المدني ” حسب الكتّاب الغربيين.

    إن تكوين المجتمع المسلم تكوين طبيعي تلقائي ، يرتكز علي علاقات انسيابية سلسة بين أعضائه ، لا تتدخل فيها أي انتماءات عرقية أو دينية أو سياسية ، وهذه العلاقات بطبيعتها المذكورة تأخذ أشكالاً عديدة وصيغاً شتى ، تعمل جميعاً من أجل توطيد تلك العلاقات وترسيخها فيبدو المجتمع متماسكاً ، ولعل أهم أسباب ذلك التماسك والقوة في المجتمع المسلم ، هو اعتماد علاقات أفراده علي الشعيرة والشريعة وعلاقاتهما التي سبق وأوضحناها .

    وما يوسع من دائرة العلاقات الإنسانية الطبيعية في المجتمع المسلم ، والتي تصبح تربة خصبة للمؤسسات والتنظيمات ذات الطبيعة الإنسانية الطبيعية ، والتي يسميها الغرب ” مؤسسات المجتمع المدني ” هو اعتماد تلك العلاقات علي قاعدة مهمة ، يعتمدها المجتمع لنفسه من مرجعياته الشرعية ، وهي قاعدة المسؤولية التي تحول المجتمع إلي وسط متجانس ، المسؤول فيه مكلف بأعباء ومهام لخدمة أفراد المجتمع ، ومن ثم فالمجتمع لا ينقسم إلي نوعين من العلاقات : علاقات بين الأفراد وبعضهم وعلاقات بين الأفراد والمسؤول ، ولكن كلها علاقة واحدة بين الأفراد وبعضهم ، وما المسؤول إلا واحداً منهم .

    ويدعم مساحة العلاقات الإنسانية الطبيعية في المجتمع المسلم نسق من القيم الاجتماعية الإسلامية ، تتمثل في العدالة الاجتماعية ، التي تعتبر قاعدة مهمة لتحري العدالة والمساواة في توزيع ثروة المجتمع بين أبنائه ، حتى يحصل كل منهم علي حصته من ثروة مجتمعه دون نظر إلي دينه أو عرقه أو طبقته الاقتصادية أو أية انتماءات أخرى .

    وتتمثل كذلك في قيمة الإخاء ، التي تسود بين أبناء المجتمع المسلم ، وهي قيمة تنشر المحبة والتكاتف في القيام بمسؤولية بناء المجتمع ، والحفاظ علي وجوده ومساندة تفاعلاته ، والعمل علي تطويره .

    وتتمثل أيضاً في قيمة التكافل والتضامن بين الأفراد ، وهي قيمة عملية ، معناها الواسع يتجسد في أن كل من يملك قيمة لا يبخل بها علي من لايملك ، ويستوي في ذلك المال والعلم والصحة والقدرة علي الفعل المفيد ، ومن ثم تفيض القيم علي كل أفراد المجتمع في صورة بديعة من التكافل والتضامن ، فمن يملك القيمة يتكفل بإشباع من لا يملكها .

    في إطار هذه المساحة الواسعة من العلاقات الإنسانية الطبيعية ، وفي ظل هذا النسق القيمي البديع ، تكون الفرصة مهيأة لإقامة مؤسسات وتنظيمات ، ترتب وتنظم شؤون أفراد المجتمع ، وتشبع رغباتهم من خلال فيض القيم ، الذي يفيض من أصحابه علي مفتقديه ، وفي هذا الإطار يختفي الصراع بين أفراد المجتمع والمسؤولين حيث لا سلطة ولا تسلط ولا تحكم ولا نفوذ ، بل هناك المنافسة بين كل أفراد المجتمع بما فيهم المسؤولين من أجل تحقيق مصلحة الأفراد ، التي أصبحت مسؤولية الجميع .


    اقرأ أيضًا

    • أرشيف وطن أونلاين
    • أحدث تقارير وتحليلات وطن
    • آخر الأخبار العربية والدولية
    شاركها. فيسبوك تويتر بينتيريست لينكدإن Tumblr البريد الإلكتروني

    المقالات ذات الصلة

    بين ترامب والسيسي

    27 يناير، 2025

    غسالة، فرن، غسالة صحون.. في أي وقت يجب استخدام هذه الأجهزة لخفض الاستهلاك؟

    1 مارس، 2023

    نموذج قطر: مدرسة في “إدارة التحالفات” الدولية المتميزة

    17 فبراير، 2022
    اترك تعليقاً إلغاء الرد

    اقرأ أيضاَ

    جدل واسع بعد رسالة أحمد السقا إلى ليفربول دعمًا لمحمد صلاح تتحول إلى عاصفة انتقادات

    13 ديسمبر، 2025

     أبوظبي تفرش السجاد لحاخام صهيوني.. وغلام ابن زايد يستقبله!

    13 ديسمبر، 2025

    تمساح أرعب قرية مصرية ثم تحول إلى “بطل كوميدي”!

    13 ديسمبر، 2025

    آراوخو يحج إلى تل أبيب.. رحلة مثيرة تهز برشلونة ومتابعيه

    13 ديسمبر، 2025

    البؤرة التي تخفيها كلمة “مزرعة”.. مشروع تمدّد استيطاني يقوده جندي احتياط

    13 ديسمبر، 2025

    “الفاشر جحيم مفتوح”.. تحقيق صادم لـ واشنطن بوست!

    13 ديسمبر، 2025

    تحركات إماراتية مشبوهة في أوروبا.. ما وراء الكواليس!

    13 ديسمبر، 2025

    “لعنة السودان” تُطارد آل نهيان في عواصم الغرب!

    11 ديسمبر، 2025

    أبوظبي المنبوذة.. الحملة تتسع وجامعات العالم تُقاطع الإمارات

    11 ديسمبر، 2025

    حين يكشف الوجه الحقيقي.. محمد صبحي من نصوص الأخلاق إلى اختبار السائق 

    11 ديسمبر، 2025

    أخطر من بيغاسوس.. هاتفك ليس آمنا والموساد يسمعك؟!

    10 ديسمبر، 2025

    تحت دخان أبوظبي.. الرّياض تسحب قواتها من اليمن

    10 ديسمبر، 2025

    غزّة تغرق.. يا مطر لا تقسو على شعب الخيام

    10 ديسمبر، 2025

    الموساد يفجّر المفاجأة.. خطة سرّية لتسليح مصر والسعودية بالنووي

    10 ديسمبر، 2025

    فضيحة «الجرو القاتل».. داء الكلب يضرب جيش الاحتلال

    10 ديسمبر، 2025
    © 2025 جميع الحقوق محفوظة.

    اكتب كلمة البحث ثم اضغط على زر Enter