وطن- يقضي العاهل المغربي الملك محمد السادس طيلة السنوات الماضية، فترات طويلة خارج مملكته لقضاء إجازات يمتدّ بعضها لستة أشهر في فرنسا أو الغابون، رفقةَ عدد من الرياضيين المغاربة أصبحوا معروفين إعلامياً باسم “الإخوة زعيتر”.
لماذا يعيش محمد السادس بعيداً عن المغرب؟
خلال عام 2022، أمضى الملك محمد السادس أكثر من خمسة أشهر، حتى أكتوبر من نفس العام في باريس، حيث كان يتجول بكل حرية تحت أضواء عاصمة الأنوار وشوارعها الصاخبة.
ثم مع قدوم رأس السنة، انتقل إلى الفيلا الخاصة به على شاطئ في الجابون، والتي أصبحت لسنوات مضت نوعًا من الإقامة الشتوية بالنسبة له.
يقضي محمد السادس هذه الإجازات الطويلة مع ما تسميه الصحافة المغربية “عائلته الجديدة” وهم ثلاثة أشقاء، ألمان لكن من عائلات مغربية، اشتهروا في فنون القتال المختلطة. وذلك رفقة مصارع آخر إسباني الجنسية، يعيش في مليلة، الجيب الإسباني الواقع على الأراضي المغربية.
بالنسبة لمحمد السادس، تتجاوز القضية الإشاعات والأخبار المتداولة التي عادة ما تحيط بجميع العائلات المالكة: فقد أصبح غيابه عن المملكة مشكلة سياسية في المغرب.
حيث إنه على الرغم من أنّ المغرب ملكية دستورية، فإن حقائب السيادة الحقيقة ليست بيد الشعب وممثليه (البرلمان)، الذين رغم كل شيء يحتفظون بسلطات تنفيذية واسعة.
محمد السادس في المغرب، هو قائد القوات المسلحة، وهو أيضاً السلطة القضائية العليا، كما أنه يمكنه حلّ البرلمان بمرسوم ملكي.
بشكل عام، كان للملك محمد السادس دور إرشادي تاريخي في السياسة المغربية، لا سيما في السياسة الخارجية، وأيضًا في السياسات المحلية، بالنظر إلى البانوراما السياسية المجزأة التي بُنيت عليها المملكة.
في المغرب، يصف كثيرون النشاط التشريعي والحكومي بأنه “غير سلس بشكل كبير” في غياب الملك.
لكن وبعيداً عن الأنشطة الداخلية وعلاقته بشعبه، فقد أدى غياب محمد السادس أيضًا إلى بعض الإحراج الدولي.
غياب متواصل عن “إدارة شؤون المملكة”
في أوائل فبراير 2023، وصل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى الرباط مع أحد عشر وزيراً في أول اجتماع رسمي رفيع المستوى بين البلدين منذ عام 2015، بعد حل الأزمة الدبلوماسية العالقة بينهما حول عدد من الملفات.
كان حضور الملك متوقّعاً، لكنه قرر في اللحظة الأخيرة تمديد إجازته في الجابون، والاكتفاء بمكالمة هاتفية مدتها نصف ساعة مع الضيوف الإسبان.
يصف تقرير لصحيفة “روتير” أنّ غياب الملك محمد السادس عن الاجتماع، تم النظر إليه على أنه “وقاحة” وأنه “رسالة سياسية محتملة”، لدرجة أنّ الحدود مع الجيوب الإسبانية (سبتة ومليلة) التي كان ينبغي إعادة فتحها على الفور (كان أحد مواضيع الاجتماع)، لا تزال مغلقة.
لكن في الواقع، لم يحتفظ محمد السادس بهذه المعاملة فقط لبيدرو سانشيز: في 2013 كان قد غاب عن لقاء مع رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي آنذاك.
وبعدها في أكتوبر 2017، غاب أيضاً عن لقاء مهم مع ديمتري ميدفيديف، رئيس وزراء روسيا في ذلك الوقت.
لاحقاً، تغيّب محمد السادس عام 2019 عن لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو؛ وقبله في يناير 2018، أرجأ زيارة رسمية للعائلة المالكة الإسبانية قبل ستة أيام فقط (تعافى لاحقًا في فبراير 2019).
آخر ظهور رسمي دولي كان في الغابون، حيث التقى بالرئيس علي بونجو أونديمبا، وهو صديق قديم، وبعدها توجّه في زيارة قصيرة إلى السنغال: كان من المفترض أن يبدأ جولة دبلوماسية أوسع في غرب إفريقيا، لكنه ألغى كل شيء في وقت لاحق بسبب “وعكة صحية”.
كما منعته ذات الوعكة الصحية من حضور جنازة الملكة إليزابيث الثانية في لندن.
View this post on Instagram
كان هناك أيضًا كثير من التكهنات حول ظروفه الصحية، لكن في الواقع خلال السنوات الأخيرة، أظهر الملك المغربي نفسه نشطًا للغاية، ولكن في مجالات بعيدة عن الالتزامات الرسمية.
ما علاقة الإخوة زعيتر؟
في المغرب، كثير من دعاة الطبقة الأرستقراطية القديمة يوازنون بين عزل الحاكم المطلق من واجباته المؤسسية وبين التأثير الذي مارسه الإخوة زعيتر: اثنان من مقاتلي الفنون القتالية المختلطة، والثالث كان مديرهم.
الآن أصبح نشاطهم الرياضي أكثر ندرة، في حين أصبح لهم حضور دائم في بلاط الملك محمد السادس.
محمد السادس، الذي نشأ على يد والده الحسن الثاني بطريقة صارمة للغاية، أظهر منذ صغره ومنذ إقامته الأولى في الخارج أنه يقدّر بشدة الحياة الدنيوية والحفلات والموسيقى.
صعد إلى العرش عام 1999 بعد وفاة والده وسط توقعات كبيرة، فقد أظهر في البداية أنه يستطيع متابعة منهج والده كحاكم مقتدر للمملكة، لكنه سرعان ما اقتصر على الظهور في المناسبات الرسمية.
وانبرى في المقابل لإسعاد نفسه وتكوين صداقات في مجال موسيقى البوب والراب، والتباهي بالرفاهية داخل المملكة وخارجها.
انفصاله عن للا سلمى نقطة تحوّل
جاءت نقطة التحول الجديدة في عام 2017، مع انتشار شائعات طلاقه من زوجته الأميرة للا سلمى (والدة ولي العهد التي اختفت من المشهد العام منذ سنوات)، وبشكل أكثر تحديداً عندما أصبح وجود الإخوة زعيتر ثابتًا بالنسبة له في حياته ومرهقًا بشكل متزايد للعائلة المالكة وحاشية الملك من وزراء ومقربين منه، خاصة رجال الأعمال وكبار شخصيات المخزن.
الإخوة زعيتر، الثلاثة الذين لديهم ماض مضطرب في ألمانيا، مع استكمال الإدانات القانونية المتعلقة بالشجار والسرقة والاحتيال، أصبحوا في البداية مدربين شخصيين، ثم شركاء أعمال للملك (في سلسلة مطاعم للوجبات السريعة).
نما نفوذهم بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لدرجة أنه وفقًا للمصادر المغربية التي استشهدت بها مجلة الإيكونوميست، فإن هؤلاء الإخوة يتمتعون بإمكانية الوصول العشوائي إلى القصر الملكي.
كما أنهم يقررون من يمكن للملك أو يريد الاجتماع معه، واستدعاء الوزراء وغيرهم من أعضاء العائلة المالكة، في سابقة أصبحت تثير جدلاً واسعاً وانتقادات متزايدة في المملكة خاصة في أوساط الصحفيين والحقوقيين والمثقفين “من الدعاة إلى مغرب أكثر حرية وأكثر عدالة”.