قال الكاتب الأمريكي “ديفيد إغناتيوس” في مقاله الأخير بصحيفة “واشنطن بوست” إن تمويل الخليط الفوضوي للمقاتلين في سوريا من طرف الدول الأجنبية -مثل الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية والأردن- أضر بالثورة السورية. وساعدت هذه المكائد الخارجية في فتح الباب أمام تهديد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للمنطقة.
إذ منذ بداية الثورة ضد بشار الأسد في عام 2011، كانت سوريا مسرحا لحرب بالوكالة تورطت فيها قوى إقليمية مؤثرة: تركيا والسعودية وقطر، كل يريد إسقاط الأسد، لكنها تتنافس ضد بعضها البعض في سباق محموم. وقد زودت جميع هذه الدول الثلاث الجماعات الثوار بالمال والأسلحة التي انتهى بها المطاف إلى أيدي المتطرفين، كما رأى الكاتب.
وازداد التدخل الخارجي في سوريا سوءا عند أرسل الحكام الشيعة في دول الجوار، وتحديدا إيران والعراق، مقاتلين من حزب الله وميليشيات عراقية لإنقاذ جيش الأسد. وزاد التشاحن السني الشيعي في تعقيد الوضع وتعفنه، ذلك أن المملكة العربية السعودية وإيران تقاتلان من أجل السيطرة الإقليمية على سوريا.
في حين اشتركت قوات أمريكية وسعودية وأردنية خلال العام 2013 في تدريب وتسليح الثوار المعتدلين في معسكر تابع لوكالة المخابرات المركزية في الأردن. ولكن هذا البرنامج لم يكن، أبدا، قويا بما يكفي لتوحيد ما يقرب من ألف لواء وكتيبة منتشرة في أنحاء البلاد. وهذه الفوضى الناتجة عملت على تشويه سمعة تحالف كتائب الثوار المعروف باسم جيش السوري الحر.
ويقول الكاتب إن قادة الثوار السوريين يستحقون بعض اللوم على هذا الهيكل غير المترابط. ولكن الفوضى ازدادت سوءا بسبب القوى الأجنبية التي تعاملت مع سوريا كملعب لأجهزتها الاستخبارية. ويذكر هذا التدخل العبثي بتدخل مماثل جرَ الويلات والخراب على لبنان وأفغانستان واليمن والعراق وليبيا خلال حروبهم الأهلية.
ويرى الكاتب أن محاولة الولايات المتحدة تخفيف حدة الصراع “الأخوي” بتشكيل ائتلاف أوسع من الدول لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية لن ينجح من دون قيادة أمريكية قوية وغير مترددة وشراكة أفضل مع هذه الدول المتنافسة: تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية.
ويقول إن قصة تحول سوريا إلى ما يشبه “قمرة القيادة” لأجهزة الاستخبارات المتنافسة روتها لي مصادر من اسطنبول ومن مدينة “ريحانلي”، وهي منطقة انطلاق الثوار على مقربة من الحدود بين تركيا وسوريا.
وقد بدأت الجهود لخارجية لتسليح وتدريب الثوار السوريين منذ أكثر من عامين في اسطنبول، حيث تم إنشاء “مركز العمليات العسكرية” لأول مرة في فندق بالقرب من المطار.
وكان القيادي الناشط قطريا سبق له وأن ساعد في تسليح الثوار الليبيين الذين خلعوا معمر القذافي من الحكم. وقد تعاملت مع القطريين شخصيات بارزة تمثل المخابرات التركية والسعودية.
لكن الوحدة داخل غرفة العمليات في اسطنبول تصدعت عندما بدأ الأتراك والقطريون دعم مقاتلين إسلاميين كانوا يعتقدون أنهم أشد بأسا في القتال. وأظهر هؤلاء المقاتلون شجلعة وجرأة، وكان نجاحهم نقطة جذب للمزيد من الدعم.
الأتراك والقطريون يصرون على أنهم لم يؤيدوا عمدا جماعات متطرفة مثل النصرة أو الدولة الإسلامية. لكن الأسلحة والأموال المرسلة إلى ألوية إسلامية أكثر اعتدالا شقت طريقها باتجاه هذه الجماعات، والأتراك والقطريون غضوا الطرف.
“كانت غرفة العمليات غارقة في الفوضى”، كما يذكر مصدر استخباراتي عربي. ويقول إنه حذر ضابطا قطريا، الذي أجاب: “سأرسل أسلحة إلى تنظيم القاعدة إذا كان سيساعد على إسقاط الأسد”. وهذا الإصرار على إزالة الأسد بأي وسيلة ضرورية أثبت خطره. “أصبحت المجموعات الثورية الإسلامية أكبر وأقوى، ولكن الجيش الحر كان يضعف يوما بعد يوم”، كما ذكر مصدر استخباراتي عربي.
نشطت السعودية حتى أواخر عام 2013 وقاد تحركها الأمير بندر بن سلطان، حيث كان رئيسا للاستخبارات في ذلك الوقت. بدا بندر متحمسا ولكنه غير منضبط، بالإضافة إلى الفوضى، الأمر الذي أدى بالسعوديين إلى استبدال بندر في فبراير الماض،ي تحت ضغط أمريكي، بوزير الداخلية محمد بن نايف الذي تولى الإشراف على الملف السوري، كان برنامجه أقل فوضوية ولكن ليس فعالا في فحص صعود تنظيم الدولة الإسلامية.
وأملا في كسب مزيد من السيطرة على الجبهة الشمالية، أنشأت تركيا مركزا جديدا للعمليات العسكرية في أنقرة المعروفة باسم “MOM”، استنادا للحروف الأولى من اسمها التركي. وقد حاول هذا المركز حتى الآن تنسيق أنشطة الثوار، ولكن هيكل القيادة ضعيف.
“الجيش السوري الحر ليس مستعدا بعد للسيطرة على الأرض”، كما قال مصدر استخباراتي عربي بصراحة. لكن فوضى الجيش الحر الداخلية تعكس الفوضى الأكبر للقوى الخارجية التي تمول المعارضة. وما لم ينسقوا العمل معا -بتحويل الأموال والأسلحة إلى جيش واحد للثوار- فإن الفوضى سوف تستمر في سوريا.

