كما درجت العادة لدى قادة إسرائيل من المستويين الأمنيّ والسياسيّ، فإنّهم يستغلون الأعياد اليهوديّة والإعلام العبريّ المُتطوّع لصالح الأجندة الصهيونيّة، أوْ ما يُسّمى بالإجماع القوميّ، في محاولة لرفع معنويات الإسرائيليين، الذين ذاقوا الآمرين خلال العدوان الأخير الذي شنّه الاحتلال ضدّ قطاع غزّة. ولا يُخفى على أحد أنّ رئيس هيئة الأركان العامّة في الجيش، الجنرال بيني غانتس، كان الضلع الثالث في مثلث العدوان: نتنياهو، يعالون وغانتس.
وكان قد كُشف النقاب عن أنّ عددًا من أعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) قد وجّهوا انتقادات لاذعة وشديدة اللهجة ضدّ غانتس وقيادة الجيش على موقفهم من العملية العسكريّة في قطاع غزة. ولفت وزراء الكابينت، كما قالت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيليّ، إلى تصريح غانتس لدى خروج القوات البريّة من قطاع غزة بأنّه مقتنع بأنّ سكان المستوطنات المحيطة بالقطاع يستطيعون العودة إلى منازلهم لممارسة حياتهم الطبيعية بما يتناقض بشكل صريح مع المشهد الحالي. وأثارت تصريحات غانتس تلك حفيظة بعض الوزراء في الكابينت، مشيرين إلى أنّ غانتس يُريد إنهاء العملية العسكرية في قطاع غزة، وإنّه ينم عن رغبة جيش الإسرائيليّ في إنهاء العملية بأيّ ثمن منذ عدة أيام. وأضاف الوزراء: مرّ نحو شهر ونصف ونحن نسمع من الجيش بأنّه نجح في استعادة قوة الردع أمام المنظمات الفلسطينية، وتابع أحد الوزراء رفض ذكر اسمه: الجيش أبلغنا بأنّ حماس تلقّت ضربة موجعة، وتُريد إنهاء المعركة، لكن ما نراه على أرض الواقع عكس ما يقال، على حدّ تعبيره. يُشار إلى أنّ مشادة كلاميّة قوية قد حصلت في وقت سابق بين أحد وزراء الكابينت مع أحد الضباط الرفيعين، وذلك بعد أن قدّم الأخير معلومات للكابنيت بأنّ الجيش قد نجح في توجيه ضربة موجعة لحماس، فرد عليه الوزير ساخرً: ربمّا يتوجب عليكم أنْ تخففوا قوة الضربة في المرة المقبلة لكي لا نضطر إلى التنازل لحماس أكثر من ذلك، على حدّ وصف الوزير. واليوم الجمعة، نشرت الصحف العبريّة مقابلات مع غانتس، بمناسبة عيد الغفران، الذي يحّل يوم غدٍ السبت، زعم فيها أنّ الجبهة الإسرائيليّة مع قطاع غزة ستبقى هادئة لسنوات عديدة بعد العدوان الأخير، فيما اعتبر أنّ حزب الله أدرك، بعد هذا العدوان، ثمن محاربة إسرائيل.
علاوة على ذلك، وفي معرض ردّه على سؤال توقع أن الرئيس السوريّ، د. بشار الأسد، لن يسقط لكنه لن يتمكن من استعادة ما خسره حتى الآن، وأن اللاجئين السوريين في الأردن والعمليات الإرهابيّة التي يرتكبها تنظيم ما يُطلق عليه “الدولة الإسلاميّة”، من شأنهما أنْ ينعكسا على المملكة الهاشميّة، مؤكدًا على أنّ الرئيس الأسد لن يتمكّن من استعادة ما خسر من أراضٍ سوريّة، والتي سيطر عليها (داعش).
يُشار في هذا السياق إلى أنّ وزير الأمن السابق، إيهود باراك، توقّع في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2011 سقوط الرئيس الأسد خلال أسابيع معدودة. وفي صحيفة (هآرتس) كتب المُحلل العسكريّ، عاموس هارئيل، إنّ الصيف الذي مرّ على إسرائيل، شعبًا وجيشًا، كان صعبًا وداميًا، ولكنّ الرجل الذي قاد المعركة، أيْ الجنرال غانتس، لا توجد شكوك بالمرّة بالنسبة لنتائج العملية العسكريّة، وفي هذا السياق قال غانتس إنّ المستوى السياسيّ قام بتحديد الأهداف للجيش، والأخير من جهته، قام بتحقيق جميع الإنجازات التي طُلبت منه. وأقّر غانتس بأنّ صنّاع القرار في تل أبيب لم يُفكّروا في أنْ تستمر الحرب أكثر من خمسين يومًا، واعتقدوا أنّها ستنتهي في فترةٍ أقّل من ذلك بكثير.
وزاد قائلاً للصحيفة، إنّه يُلاحظ وجود طبيعة جديدة في الجبهة الجنوبيّة، حيث قال إنّ حركة حماس لن تُسارع إلى الخوض في مواجهة جديدة، بسبب الضربات الشديدة التي تلقتها من الجيش الإسرائيليّ، مُشدّدًا على أنّ فترة الهدوء هذه المرّة، خلافًا للمُواجهات الفائتة، ستستمر عدّة سنوات. وزعم غانتس أنّه بدون الدعم الاقتصاديّ لقطاع غزّة، فإنّ الأمور قد تشتعل، وبالتالي اقترح على المستوى السياسيّ تقديم التسهيلات بشكلٍ عقلانيّ، زاعمًا أنّه في القطاع يعيش مليون وـ800 ألف شخص، وهؤلاء يجب أنْ يعيشوا، على حدّ وصفه.
وبطبيعة الحال، تطرّق غانتس إلى حزب الله اللبنانيّ وقال إنّ حزب الله أصبح يعلم مرّة أخرى ما هو ثمن مواجهة إسرائيل عسكريًّا، والحزب، برأي الجنرال الإسرائيليّ، تلقّى ضربة موجعةً في عدوان العام 2006، كما أنّه يقوم بمتابعة أداء منظومة القبّة الحديديّة، والأسلحة الإسرائيليّة والمخابرات. وفي السياق ذاته، قال لموقع (يديعوت أحرونوت) على الإنترنت إنّ الشيخ حسن نصر الله شاهد كيف كان المجتمع الإسرائيليّ حصينًا ولم يتفكك، وكان على استعداد لدفع الثمن، وبأنّ إسرائيل تعرف أنْ تفعل في لبنان ما فعلته في غزّة، على حدّ تعبيره. أمّا في الشأن الفلسطينيّ فقال غانتس إنّه لا يتوقّع نشوب انتفاضة ثالثة في الضفّة الغربيّة المحتلّة. وخلُص غانتس إلى القول إنّ إمكانية اندلاع حرب جديدة مع الدول العربيّة أوْ مع حزب الله ضئيلة جدًا، لأنّ العرب ما زالوا منشغلين في أنفسهم، وهذه الحالة ستستمر فترةً طويلةً، على حدّ قوله.
زهير أندراوس

